الاثنين، 13 ديسمبر 2010

الاعلام العربى رحلة البحث عن الابن الضال ..... الجزء 2

فى بلاط أصحاب الجلالـة!!


ث فى هوية الإعلام العربى يبدأ بتشخيص علاقته بمكونات الفضاء الإعلامى .. الذى يُحَد بأربعة أضلاع .."الإعلام العالمى".. و"النظام العربى" ..و"الجماهير العربية "..و"الرُّؤية الموجِّهة لنشاطه" . بَدأْتُ رحلة البحث بإطلالةٍ على المشهد الإعلامى العالمى ..
البحث فى هوية الإعلام العربى يبدأ بتشخيص علاقته بمكونات الفضاء الإعلامى .. الذى يُحَد بأربعة أضلاع .."الإعلام العالمى".. و"النظام العربى" ..و"الجماهير العربية "..و"الرُّؤية الموجِّهة لنشاطه" . بَدأْتُ رحلة البحث بإطلالةٍ على المشهد الإعلامى العالمى .. لنكْشِف أن الالتقاء بين زمن القطب الواحد ، و طفرة الاتصال والمعلومات .. قد حوَّلت إعلامَنا العربى البالغ الضعف والهشاشة ..إلى أسير خلف القضبان فى سجون "الأمبراطورية الإعلامية " التى شيَّدَتْها " الاحتكارات العالمية الكبرى" .. ليجِدَ نفسه محاصرا بمخاطر التّبعية ومحاولات التّدويل.. وجها لوجه.. فى مواجهة تحدّيات أربع ، تتمثل فى الاختراق الثقافى الوافد ، والضغط باتجاه العولمة السياسية ، وتحدّى الهجمة الشرسة على العرب والمسلمين ' وتحدّى احتكار صناعة المعلومات وأدوات الاتصال . وفى مقابل هذه التحديات جاءَتْنا طفرة المعلومات والاتصال ، بثلاث إمكانات متاحة ..إمكانية الاستفادة من ناتج التطور التقاني فى تطوير آدائنا الإعلامى ، وإمكانية تخطى الفجوة التقانية باستثمار عربى مشترك ، وإمكانية الوجود الفعّال فى ساحة الفضاء الإعلامى المفتوحومن المشهد الإعلامى العالمى انتقل إلى الوطن العربى .. إلى بلاط " صاحب الجلآلة " النظام العربى الحاكم .. بحثا عن الابن الضال .
***
فى بلاط "صاحب الجلالة" النظام العربى .
هناك تشبيه سائد للصحافة بأنها " صاحبة جلالة " .. بمعنى أنها ملكة محصنة لها عرش وتاج وبلاط !! وذلك كِنَاية ، من الزمن القديم ، عن ارتفاع الهامة ، وعُلُوِّ المقام ،والمنعة ، وعمق التأثير ..!! وحين فَتَّشتُ عن هذه المعانى فى واقع الإعلام الحكومى المرتبط بالنظام العربى . .. لم أعثر على شىء من هذا.. فلا مَقام ولامنعة َولاتأثير .. ولاعرش ولاتاج ولاصولجان .. لقد وجدْتُ هذا الإعلام الحكومى ..مجرّد خادم تابع فى بلاط صاحب الجلالة ..النظام العربى الحاكم !!
ولا أقصد "بصاحب الجلآلة" هنا الأنظمة الملكية التى مازالت متمرسة فى بعض أقطار الوطن العربي..وإنما أقصد كل الأنظمة المتمترسة !!.. فمادام الجميع متمترسون ، وما دمنا لم نسمع بعد بان نظاماعربيا قد نجح فى تحقيق تداول السلطة ، أو فى تغيير الرئيس ولو لمرة واحدة .. فسوف يبقى النظام العربى من حيث الجوهرنظاما ملكيا وأبديا .. وسوف يبقى الإعلام الحكومى جزءا لايتجزأ من بلاطه الملكى .. حارسا له وخادما أمينا لمتطلباته .
من هذا الموقع فى بلاط صاحب الجلالة .. يواجهنا" الإعلام الحكومي " بحركته وآدائه العشوائى .. تائها بين أهـــــداف نظــم الحـــــكم وتطلعات الشعوب . . بلآرؤية كاشفة للأفق ،ولاسياسة ثابتة .. اللهم إلآ التشدق بالحرية قولا ، وقمعها فى الممارسة ..! وإعلان الأهداف الكبرى معزولة عن إمكانات ووسائل تطبيقها ..!
من هذا الموقع .. يظهر الإعلام العربى الحكومى متحالفا مع أمن الأنظمة ، معتمدا / فى غالبه / على الدعم الحكومى الشحيح , ويطل على الناس فى " صحافة " موغلة فى إظهار الولاء للسلطة على حساب قضايا التنمية والعدل الاجتماعى .. وفى " إذاعات " تبُثُّ ولاتُسْمَع .. و" وكالات" تُرسِل ولاُتَستَقبِل
يستند الإعلام الحكومى العربى على بنية تحتية بالغة الضعف , وعلى صناعات إعلامية مهددة بالضمور والإنقراض .. لامكان فيها لمؤسسات متطورة للبحوث الإعلامية ، أو لإمكانات التطوير .
تتحدد المهمة الجوهرية للإعلام الحكومى فى التّعبير عن الحكومة ، و التّبرير لسياساتها ومواقفها ، و الدّعاية لها ، والدّفاع عنها وضمان استمراريتها .. وتتولى البيروقراطية صاحبة اليد العليا ..مهمات إدارته وتسييره ، وتَتَكَفَّل ، بفيضها العظيم ، بإغلاق كل منافذ وفرص التألق والإبداع بإحكام !!
فى بلاط أصحاب الجلالة يظهر الإعلام مجرد خادم مطيع .. لايتوقف عن تزييف وعي الجماهير.. أمّا الإعلام المعبر عن جماهير الأمة فلا مكان له ولا أثر .
فى قبضة رجال الأعمال والمعلنين
الى جانب " الإعلام الحكومي "، أو فى مواجهته ، يظهر "ا لاعلام التجارى ".. وهو الإعلام المملوك لرجال الأعمال والمعبر عن مصالح القلة المالكة للصناعة والتجارة والأرض والتقانة فى المجتمع .
"الإعلام التجارى" هو النّمط السّائد للإعلام فى المجتمعات الرأسمالية .. وبدأ ينمو فى السنوات الأخيرة جنبا إلى جنب مع الإعلام الحكومي .. ..فى المجتمعات النامية .. ويظهر فى صحف وإذاعات ومرئيات مملوكة للخواص .. وسوف يلحظ المتابعون لوسائل الإعلام التجارى فى واقعنا العربى ، إن خلف كل وسيلة منها رجل أعمال أو تجمع لرجال الأعمال ، وأن توفرشرطى "الحرفية " و"الانتشار الجماهيرى " أمر ضرورى فيمن يستأجرون من الإعلاميين لقيادة هذه الوسائط .
والواقع أن كبار رجال الأعمال يُدْركون أن " الحراسات الخاصة التى يقيمونها حول أنفسهم " و "التحالفات الكبرى مع رموز الحكم ، ورؤساء المصارف ، و لجان المناقصات والعقود .. كلها غير كافية لتأمين مصالحهم ..لذلك يطلبون ملكية الصحف والإذاعات الخاصة طلبا للربح من جهه ، ولكى يلوذوا بها عندما تشتد المنافسة عـــــــلى الصفقات ، أوعندما تقــــوم الحاجة إلى معطرات الجو لإزالـــــة الّروائح الكريهة للصــــــفقات المشبوهة .!!
يدرك رجال الأعمال الأهمية التى تمثلها لهم ملكية صحيفة أوقناة فضائية .. حيث تتحول إلى أداة لحمايتهم من كيد المنافسين ، وإلى وسيلة للترويج لأعمالهم ، وأداة لدعم مكانتهم السياسية والاجتماعية ،و الضغط على الحكومة لتحقيق مطالبهم إذا لزم الأمر. بهذا المعنى يكون الإعلام التجارى تعبيرا عن مصالح الرأسماليين . ورفيقا مخلصا لهم على طريق اغتصاب السلطة والقرار، والتهميش المتزايد للجماهير الشعبية .
و لأنّ الإعلام التجارى يعتمد فى تمويله على دخل الإعلانات .. ولأن الإعلانات تتوجه إلى حيث يوجد القراءوالمشاهدون .. لهذا فإن المهمة الإعلامية لهذا النمط من الإعلام هي جذب القارئ أو المشاهد الى الوسيلة الإعلامية ، كونه شرطا لازما للحصول على الإعلانات .
من خلال هذا الإطارلايمكن للإعلام التجارى أن يُؤتَمن على قيمة حضارية ، أو على موقف إيجابى فى حياة الناس .. ويمكن القول أن هذا الإعلام قد نجح للأسف الشديد فى تسويق الفن الهابط ، وإفساد أذواق المشاهدين والقراء والمستمعين ، وتسطيح مفهوم الديمقراطية والتوقف به عند حدود التنفيس عن البخار من قُدُورحياتنا الكاتمة.. فى معارك كلامية وهمية ، فى بـــرامج حوارية " التوك شو ".. تستدرج اليها رموز الأدب والفن والسياسة والثقافة .. وتستخدمهم لجذب الجماهير الى مصيدة الإعلان .
الفضائيات العـــربية ..من الرمضاء الى النار
أثناء حرب العراق فتحت الفضائيات العربية منافذ مباشرة للاتصال مع الجماهير ، وتفاعلت / لفترة من الزمن/ مع مأساة شعبى فلسطين والعراق .. ومع ذلك فإن " آليات الكبح " حالت دون إطلاق هذا التفاعل إلى حدوده القصوى .
إن الفضائيات التى بدت فى ظروف غزو العراق ، وكأنها عودة حميدة بالإعلام العربى إلى أحضان أمته ..لم تنج هي الأخرى من السقوط فى فخاخ التدويل والتبعية .
فى حرب الخليج الثانية كان الخلاف واضـــــحا بين المصالح الاوربية والمصالح الأمريكية ، ووجـــدت الفضائيات العربية / الحديثة النشأة / فى هذا الخلاف
فرصـــة لتأكيـد الــذات و الحصول علـى اعـتراف الغرب بها .أما بعد إنتهاء الحرب فقد تحول نشاطها الإعلامى إلى جزء لايتجزأ من المخطط الإعلامى الأمريكى في المنطقة العربية .
إن الإعلام الفضائي العربي حول جماهير الأمة من الرّمْضاء إ لى النار..!! سرق نسبة عالية من مشاهدي مرئيات التبرير الفج لسياسات الأنظمة الحاكمة ، وحولها إلى فريسة سهلة لفضاء إعلامى أكثر رشاقة ، وأسهل هضما .. ! لكنه تجسيد واضح وصريح للاغتراب حتى النهاية .
ويكفى هنا أن نذكر أن المحتوى الإعلامى للعدد الأكبر من الفضائيات .يتركز حول تلويث الثقافة ، ونشر القيم المتدنية ، والترويج لثقافات الإستهلاك ، وتدمير الخصوصيات الثقافية العربية والإسلامية ، وتفكيك جهاز القيم لدى الشباب ، وتأمين الإستسلام النفسى الكامل للبرامج المستنسخة والمدبلجة ، والمسلسلات المسيلة للدموع عن أنماط من الحياة ليست حياتنا ، وأبطال ليسوا منا ،وقضايا تبدأ من غرف النوم وتدورحولها وتنتهى إليها .!!
ويصدق تقييم الدكتور/ زيادعلي للفضائيات العربية حين يؤكد أنها تُموّل عن بعد ، وتتنافس على سوق إعلانى محدود .. وأنها تُقدم للعدو أكثر مما تقدم للأمة من خدمات .!!
إن الإعلام الفضائى ليس إلا دليل آخر واضح على أزمة الهوية ، وعلى استمرار غياب المشـــــروع ، وعلى انعدام المبادرة .
***
والخلاصــة .. أن الإعلام العربى بما يأتيه من الخارج مجرد أسير فى سجون الإمبراطورية الإعلامية العالمية .. و بما يأتيه من داخل حدوده العربية .. مجرد خادم فى بلآط أصحاب الجلالة من السلط الحاكمة .. أوصيد سهل للمعلنين وملاك الصحف والإذاعات والقنوات .. ويبقى فى كل الأحوال ..غريبا عن أمته .. بعيدا عن أحضانها الدافئة .
***
هوية الإعلام .. هويـــــة الأمة ،
ونصل الآن إلى اجابة عن السؤال هل للاعلام العربي هوية ؟ والاجابة كما هي واضحة أن ليس للاعلام في وطننا العربى هوية .. إعلامنا تائه شريد في دهاليز الامبريالية العالمية وفي سراديب بلاط أصحاب الجلالة العرب .. وفي قبضة أصحاب الاعمال والمعلنين .
وحين تضيع هوية الاعلام ، ينفتح الباب واسعاً للاختراق السياسي الذى يهدد هوية الامة .. ذلك أن الاعلام بالنسبة لاي أمة يمثل "مصدات الرياح".. بغيرها يصبح الطريق مفتوحاً إلى هوية الأمة .. حيث يسهل اكتساحها واجتثاث جذورها .
إن تدمير هوية أي أمة يبدأ بالحركة في اتجاهين .. تحضير الوجدان الجماهيري لثقافة الاستسلام للواقع من ناحية .. وإبراز ثقافة تجذب إلى الماضي ولا تشد إلى المستقبل من جهة أخرى. وذلك في عملية مستمره تستخــدم جـميــع الوسـائـل و الوسائـط المرئيـة و المسموعة في اتجاه نشر هذه الثقافة.
تستند هذه العملية في أساسها على مخاطبة حية للوجدان والغريزة .. تؤدي إلى تعطيل عمل العقل ،و تشويش القيم ،وتعويق الخيال ،وتغليب الشكوك ،وتدمير الذوق .
داخل هذه العملية يتــم اغتصــاب قناعــاتنــا بالانتماء إلى الارض والوطن و التاريخ المشترك ليحل محل هذه القناعات مظاهر الاستسلام للهيمنة الإعلامية ، وضعف الارادة الوطنية ،و تفكك الوحدة الوطنية ، و تسيد الثقافة الغازية .
***
في نهاية رحلة البحث عن الابن الضال تواجهنا ثلاث إشكاليات حقيقية .. التبعية ، والولاء والتضليل :ـ
* التبعية .. وتعنى التعبير عن إرادة ورغبات الخارج ، أو الحكومة ، أو المعلن ..وتشير هذه الإشكالية أن اعلامها لم يكن أبداً لكل الناس .
* الولاء .. وتعنى تبرير سياسات ومواقف من يملكه الخارج ، أو الحكومة ، أو المعلن .. وتشير هذه الإشكالية أن الإعلام العربى أداة للتغيير .. وإنه إن تتطرق إلى ميدان النقد فإن ذلك يتم بحساب دقيق بحيث لاتتجاوز آثاره " تنفيس البخار المكتوم ".
* التضليل ،، بمعنى التستر على المقاصد الحقيقة للمواقف والتصرفات . أوتبديلها بمقاصد أخرى .. وتكون في العادة تعبيراً عن التبعية أو تجسيداً للولاء
أزمة الإعلام العربي
ومن هذه الإشكاليات ندرك أن الاعلام العربي يواجه بغير شك أزمة مركبة ثقافية وسياسية و تنظيمية .
* تتجسد"ثقافيـــا"فــي شراســة الاخــتراق الثــقافي و العجز الكامل في مواجهته ... إن لم يكن التسليم الكامل له .
* وتتجسد "اقتصادياً" في اعتماده على التمويل الحكومي الذي يكتفي بحاجات التيسير دون التطوير
* و يتجســد "تنظيمياً "في إدارة بيروقراطية تفتقد المرونة و القدرة على مواجهة الظروف المتغيرة .
***
ومما لاشك فيه أن عودة الابن الضال إلى أحضان أمه وانتزاعه من التيه الذي يعيش فيه ، أن تتحرك إرادة الأمة في الاتجاهات التالية :
* أن نعترف / ابتداءً / بفشله في تحقيق غــايـــاتـــه.. لا فــي الإخبــار ولا فــي التثقيف و الترفيه.
* أن نتبنى مشروعاً قومياً للنهوض به ، يتأسس على رسالة إعلامية مشتركة .. و ميثاق شرف لا نتخطاه .
* أن نقوم بتنفيذ مشروعات مشتركة للصناعات المعلوماتية التي لا تستطيع دولة واحدة أن تنهض بها .
* أن نعمـل علــى تكثــيف دور الاعلام في مجالات التــعليم ، والصحــة والتبادل التجاري .
* أن نُجرمِّ المشاركة في إشعال الحرائق العربية ، وتضخيم الخلآفات بين أقطارها .
* أن نقوم بتنفيذ برنامج ثقافي عربي مشترك في مواجهة الاختراق الثقافي الذي تتعرض له الأمة .
ويبقى الحل الجذري لمشكلة الاعلام هو أن يكون ملكاً للجماهير.. في هذه الحاله فقط يستطيع الاعلام أن يقاوم التبعية للخارج ..وأن يتخلص من سيطرة الحكومة ..ومن عبودية الإعلان .عندها فقط يستطيع أن يكون معبراً عن آماله وطموحاته ومشاركاً في صنع مستقبله .. ساعتها يكون الاعلام رفيقا دائما لصاحب العرش والجلالة على الارض من جماهير الشعب.. التي استخلفها الله سبحانه وتعالى .. على أمانة تحقيق الحرية .. والانتصار للفطرة التى فطر الناس عليها .
محمد رضــــا طلبة

نشر فى الزحف الاخضر
الإثنين,
7 محرم 1379 و.ر الموافق 13 كانون 2010 مسيحي الـعــدد 5984

هناك تعليق واحد: