السبت، 18 ديسمبر 2010

اختبار النوايا والوعود

السياسة الخارجية لأوباما اختبار النوايا والوعود
بعد إدارة أمريكية ، لم تعترف بأن هناك حدوداً للقدرة الأمريكية ، وعلى نتائج سياسات خاطئة وغير حكيمة .. دخل الرئيس الأمريكي الأسود أوباما إلى البيت الأبيض .. تحت شعارات وأعلام التغيير .. ليجد نفسه أمام واقع معقد تصوره مراكز البحث وأجهزة التقصي .. في مشهد بائس .. من ثلاث زوايا .. على طريقة الـ3د المحببة للأمريكيين .
وجد نفسه من زاوية أولى أمام تداعيات الحريق الهائل الذي أشعلته الإدارة « السابقة في الشرق الأوسط والذي كلف دافع الضرائب الأمريكي ترليون دولار .
- العراق المشتعل بالنار .. يأخذ أمريكا وجيشها من الفراغ إلى الفراغ .
- أفغانستان وباكستان مليئتان بالأخطار .
- إيران وقد وضعت قدميها على طريق السلاح النووي .
- محولات منهكة لإقرار سلام بين العرب وإسرائيل .
- تهديد إرهابي ينطلق من الشرق الأوسط ، ليس محصورا فيه أو مقتصراً عليه .
ووجد نفسه من زاوية ثانية أمام أمريكا التي اغتصبت قرار العالم .. تعيش على الطاقة من الخارج ، وعلى التمويل من الخارج ، وعلى العمالة من الخارج ، وعلى وجود 300 ألف أمريكي معرضين للمخاطر حول العالم . ووجد نفسه من زاوية ثانية في مواجهة عالم تتغير فيه موازين القوى إلى فاعلين جدد .. يتحركون بحيوية عالية إلى الصدارة .. مع اتجاه عالمي عميق نحو إشراك الجماهير في السياسة . في وسط هذا كله .. دخل أوباما إلى المكتب البيضاوي بحلم التغيير الذي جاء به إلى هذا المكان .. رغم أنه أسود ومن أصل إفريقي ، وله جذور إسلامية !!ولقد فكرتُ .. بعد مرور عام كامل .. من احتكاك الإدارة الجديدة بكل هذه القضايا والتحديات .. وارتطامها بالأبعاد الغاطسة من ملفاتها في أدراج مكاتب الخارجية الأمريكية .. فكرتُ أن أختبر شعار التغيير في الواقع العملي .. أن أقيس المسافة بين الوعود وبين حقائق الواقع المعاش .. وذلك بهدف الكشف عن نوايا أمريكا وممكناتها .. وتحديد موقعنا وموقفنا منها .. على أساس أننا لن نحصل من السياسة الأمريكية .. لن يصيبنا منها إلا مايدخل في إطار الممكن من النوايا . في إطار هذا السعي ، وفي مرحلة جمع المعلومات ،.. وبالإضافة إلى ترجمة عربية لبرنامج أوباما الانتخابي الذي يمكن اعتباره بقدر كبير من التجاوز مؤشراً على النوايا إن صدقت !.. عثرتُ على ثلاث وثائق مهمة :تقرير بعنوان « دور أمريكا في العالم ـ خيارات السياسة الخارجية أمام الرئيس الجديد « .. ويمثل خلاصة لورشة عمل عُقدت في جامعة جورج تاون .. شارك فيها 52 من خبراء الدراسات الاستراتيجية في الولايات المتحدة الأمريكية في شهر النوار 2008 مسيحي . كتيب بعنوان « السياسة الخارجية الأمريكية « بقلم جورج فريدمان رئيس المخابرات السابق صدر في فاتح 2008 مسيحي .مداخلة بعنوان « أولويات السياسة الخارجية لأوباما لجيمس شتاينبيرج نائب وزير الخارجية الأمريكي الحالي .. نُشرت عن مركز الأمن الأمريكي الجديد . وأعتقد أن هذه الدراسات الثلاث .. تغطي موضوع السياسة الخارجية ، في مراحل مختلفة من صياغتها ، وبعد امتحانها لمدة عام على أرض الواقع .. وطبيعي أن يكون « شتاينبيرج « هو أساس ومنطلق هذه الرؤية .. وأن تكون الدراستين الأخريتين مرجعاً لاختبار مصداقيته .. كلما لزم الأمر . يمكن تصنيف التحديات والقضايا التي واجهت الإدارة الأمريكية ، في عامها الأول ، إلى ثلاثة أنواع .. القضايا المرّحلة .. وقضايا تأكيد الذات .. والقضايا المفاجئة .القضايا المرّحلة: وهي القضايا العاجلة والملحة .. التي تجدها الإدارة في انتظارها في صندوق الوارد .. وتمثل تحدي خاص .. ولاتنتظر التأجيل .. ولابد أن تكون الإدارة جاهزة للتعامل الفوري معها . قضايا تأكيد الذات .. وهي القضايا التي جاءت هذه الإدارة لتنفيذها .. والأولويات الاستراتيجية لتنفيذها .. والقيم التي تحكم التنفيذ . لقضايا المفاجئة .. وهي قضايا لم تكن على جدول الأعمال الانتخابي .. وهي في نفس الوقت غير متوقعة .. والإدارة الجديدة مضطرة إلى تناولها والتعامل معها .وقبل الدخول لمتابعة هذه القضايا .. فإن هناك عددا من الملاحظات .. أراها ضرورية لفهم السياسة الخارجية الأمريكية .. وأعتبرها مفاتيحاً ضرورية لإدراك قضاياها .
- انه لايوجد في السياسة مايسمى بالالتزام الحر فيما وعدت به الإدارة الجديدة .. وفي الواقع فإن المرشحين من حقهم أن يتخذوا مواقف عامة في الحملة الإنتخابية .. ولكنه لايجب ولايحق لهم أن يقفزوا على حقائق الواقع في التطبيق العملي .. وإن حقائق الواقع تكون أو ضح مايمكن بعد توالي المواقع وليس قبله .
إن محاولة الفهم الحقيقي للمشكلات .. بعيداً عن الأوهام ، ،استيعابها قبل التعامل معها .. هو قالب ثابت للسياسة الخارجية الأوباما .. وهي أول وأهم توجيهات أو باما لفريق عمله الخارجي .. ويؤكد « شتاينبيرج « بأن هذا الأمر « هو أ هم نقاط القوة للسياسة الخارجية الأوباما في عامه الأول «
- إنه في السنة الأولى لأي إدارة .. وبحكم معنويات الانتصار ، وإستمرار الإلتفاف الجماعيري ، والصفحة البيضاء التي لم ينقش عليها شيئاً بعد .. يكون تأثير الإدارة مرتفعاً ثم يتراجع بمرور الوقت أما القدرة والفاعلية .. فهي على العكس .. تبدأ منخفضة ، وتتصاعد بتراكم الخبرات شيئاً فشيئاً بمرور الوقت .. ويكون امتحان الإدارة ـ في هذه الحالة ـ هو قدرتها على خلق بدايات جديدة تتفق مع قدراتها على التأثير ، ثم التحول بهذه البدايات قدماً مع تطور خط الفاعلية والقدرة .. وسوف يجد القارئ أن إدارة أوباما استثمرت إنتصارها العريض في خلق بدايات قوية وموحية في جميع الاتجاهات .
- إن الطريقة التي تتفاعل بها أمريكا مع العالم تنحو إلى اتجاه جديد .. يختلف جذريا عن الإدارة السابقة .. اتجاه يقوم على استعادة القيم ، والإستناد إلى القانون . والاستماع إلى الآخر . واحترام الشراكة الأوروبية .. والتحديد الدقيق لمعنى ومفهوم المصلحة الوطنية .
على ضوء هذه المحددات ، أتقدم إلى قضايا الإدارة الأمريكية في عامها الأول .. أبدؤها بالقضايا المرّحلة .
أولاً : القضايا المرّحلة .. وتحتل أهميتها من حيث إنها كانت موضوعات لجدل صاخب أثناء الحملة الانتخابية .. ولاتزال تضد انتباه الناس ، الذين ينتظرون .. مذا تفعل الإدارة الجديدة بها .. خلافاً عمن سبقوها ؟
قضية العراق
وما لاشك فيه أن قضية العراق هي أهم القضايا المرّحلة من الإدارة السابقة .. والتي تنتظر الحسم ومن اعتقاده الثابت « بأن الوقت قد حان لانهاء المشاركة القتالية العسكرية لأمريكا في العراق ، وإقامة نوع جديد من العلاقات معها»يؤكد « شتاينبيرج « أن أوباما جاء إلى موقعه ملتزما بهذا الموقف التزاماً عميقاً ، فقد أكد أن التنفيذ الفعلي ، قد يعتمد على لحقائق أرض الواقع .
وعلى الإطار الواسع الذي حدده أوباما في حملته الانتخابية أجرى أوباما بعض التعديلات على الجدول الزمني للانسحاب ، وعلى كيفية الالتزام بإنهاء المشاركة العسكرية في العراق مع الحفاظ على التزام المجلس بانهاء الدور العسكري ، واحترام وضع اتفاق القوات الذي تم التفاوض عليه مع العراقيين .
كذلك ترى الولايات المتحدة / بعد إنهاء الوجود العسكري في العراق / ضرورة استمرار شراكة متكافئة ، واحترام متبادل بين أمريكا والعراق « وفي هذه الحدود فإنه يمكن القول إن الإدارة الجديدة قد إلتزمت بما وعدت به الشعب الأمريكي في حملتها الانتخابية .
القاعدة . وأفغانستان وباكستان
يعترف « شتاينبيرج « بأن الإدارة قامت بمراجعة المنظور الأساسي لهذه القضية على ضوء الحقائق .. وقد يتم التحرك بها .. وفقاً لما يلي :
الاحتفاظ بالأهداف الاستراتيجية الأساسية وتتمثل في « حرمان القاعدة وحلفائها من فرص التمويل ، ومن المواقع التي تُهاجم منها الولايات المتحدة «.
خلق ظروف على المدى الطويل للتأكيد من أن التهديدات لاتؤثر على أمن الولايات المتحدة .
تطوير نوع جديد من العلاقات مع الحكومة في كل من باكستان وأفغانستان .
تحريك الحوار الاستراتيجي مع باكستان إلى الأمام .. والتعامل مع التحديات الطويلة الأجل للتأكيد أن المواجهة ضد القاعدة تمثل تحقق أوسع أهداف أمريكا الاستراتيجية .
ويعتبر التعامل مع هذه الدائرة من دوائر الحركة نموذجاً للمواقف التي تم تعديلها وفقاً للحقائق الموجودة على أرض الواقع .
ثانياً :قضايا تأكيد الهوية .. وتمثل القضايا التي تعكس الأولويات الاستراتيجية الواسعة للرئيس الجديد ، وبرنامجه المميز ، وطريقته الخاصة في تنفيذ مهمته .
وعلى طريقته في الاستفادة بمنحى التأ ثير العالي للإدارة الأمريكية .. وانخفاض منحنى القدرة والفاعلية . فقد كلف أوباما فريق عمله بتحديد وترتيب أولويات جهودهم بالطريقة التي تحدث أكبر تأثير .. مع الالتزام في الوقت نفسه بتطوير برنامج متصاعد لتنفيذها
وفي هذا المجال حددت الإدارة موقفها على النحو التالي :
الالتزام بمعاهدة عدم انتشار السلاح النووي ، والعمل مع العالم في هذا الاتجاه ، واتخاذ خطوات في المدى القريب يظهر التزاماتها بتقليل ترسانتها النووية ، والعمل مع الآخرين باتجاه نزع التسلح ، وتعزيز نظم عدم انتشار ومراجعة المعاهدة لتحقيق هذا الهدف ، وبذل جهود على الساحة الدولية للحيلولة دون وصول التكنولوجيا والمواد النووية إلى من يشكلون خطراً على الأمن العالمي والالتزام المتجدد بالتعامل مع كوريا الشمالية وإيران .
ويلاحظ أن هذا الاتجاه الشامل والشجاع في تحدي عدم انتشار الأسلحة النووية ،، جاء بعيداً عن حالة الرعب الذي حكم الإدارة الأمريكية السابقة من أن يقع السلاح النووي في أيدي إرهابيين ، وهذا الرعب جر الولايات المتحدة إلى حربين كلفتها ترليون دولار وإلى سياسات خاطئة ، ومنطق مغلوط ، وحواجز بين أمريكا وحلفائها .. وبديلاً لهذه الخيارات فقد تصرف أوباما على أساس أن يقع السلاح النووي في أيدي إرهابيين هو تهديد يتساوى مع أي مخاطر أخرى .
الاتجاه إلى تطور شراكة استراتيجية تأخذ في اعتبارها آراء وجهات نظر الشركاء الرئيسيين .. وقد بدأت هذه الشراكة بزيارة نائب رئيس مؤتمر الأمن الجماعي .. ويعلن فيه أنه جاء من أجل الاستماع والتشاور مع الحلفاء ، وسماع اهتماماتهم ووجهة نظرهم .. قبل أن يعلنها أوباما بنفسه في رحلته إلى أوروبا .. بأن القيادة تعني الالتزام بالعمل معاً ، وكارثة ايجاد مسار مشترك مع الحلفاء والشركاء الرئيسيين .
وفي الواقع فإن أوباما لم ينس في اليوم الأول من فترة رئاسته .. أن يصدر قراراً : بعزمه على إغلاق جوانتا نامو وإنهاء ممارسات التعذيب « ليقدم به إشارة فورية للعالم بشأن الاتجاه المختلف الذي أتى به وإلى القيم التي تحكم العلاقات الدولية الأمريكية .
في مجال التحدي الإيراني اعتمدت الإدارة على فرصة للحوار .. يطلب فيه من إيران التعامل مع المخاوف الامريكية بإيجابية في شأن برنامجها النووي ودعمها لما تراه أمريكا منظمات إرهابية ، وترى الإدارة الأمريكية أن إيران أضاعت فرصة بناء الثقة ، وأن الخيار الدبلوماسي لا يزال معروضاً ، وأنه من الطبيعي أن توضع إيران في مواجهة خيار لقوة في حالة تجاهلها لإرادة المجتمع الدولي بشأن البرنامج النووي .
كذلك تعلن الإدارة الجديدة في أن تنهي المناقشات مع روسيا بالتزام كلاً البلدين بتقليص الأسلحة النووية .
- تضاف إلى ذلك اعتراف بأن التغيير المناخي والتحديات البيئية تمثل أكبر تحد في عصرنا .. وأن الولايات المتحدة سوف تلعب دوراً ريادياً في مجال تخفيض انبعاث الغازات الحرارية وبعكس مواقف الإدارة السابقة .
ثالثا: القضايا المفاجئة .. وتتمثل في القضايا التي لم تكن متوقعة .. ولكنها كانت بانتظار الإدارة الجديدة .. ويعرّف السياسيون هذه القضايا بأنها القضايا الأصعب في الإعداد ولكنها اختبار دقيق للقدرات .
والأزمة الاقتصادية .. ومع أن الأزمة الاقتصادية كانت تتكشف شيئاً فشيئاً خلال الحملة الانتخابية .. لكن حجم التحدي الذي وجدته الإدارة كان مفاجأة كاملة .
بعد تسلم أوباما للإدارة الجديدة وجد نفسه فجأة أمام مخاطر الانهيار الاقتصادي الحقيقي واكتشف أهمية سرعة الحركة ، والقدرة على تعديل السياسة لتلبي حاجات الآخرين ، وكيفية إبتداع المحفزات والميثرات الاقتصادية ، والقدرة على التنسيق مع الشركاء الدوليين مما أظهر آثار هذه السياسات الإيجابية في إجراءات تتحدى الأزمة .
من كوريا الشمالية .. جاءت المفاجأة الثانية .. والسبب في ذلك أن الإدارة السابقة قد وصلت لاتفاق مع كوريا الشمالية .. بدء المحادثات السداسية .. وعمل اتفاقية إزالة نووية طويلة الأجل وقد أعلنت الإدارة الجديدة عن استعدادها للاستمرار في نفس المسار .
فاجأت كوريا الشمالية الإدارة الجديدة باختبار صواريخ بالستية ثم باختبار نووي .. ردت عليها الإدارة الأمريكية بالتوجه إلى المجتمع الدولي وبقرار من مجلس الأمن وبهذا أعلنت عن أسلوب جديد في العمل هو الوصول إلى أهدافها عن طريق الشرعية الدولية .. في الوقت الذي أبقت فيه الباب مفتوحاً للمفاوضات ..
وإذا أضفنا إلى ذلك أن السلوك العام للإدارة الجديدة قد يكشف عن الاعتراف بقوى جديدة ناهضة تلعب دوراً لتغيير دور المؤسسات العالمية في اتجاه أفضل ، وبفهم عريق للدور العالمي المتزايد للهند والصين والبرازيل وتركيا ، وبالتسليم بضرورة إيجاد استراتيجيات جديدة لتطوير التعاون العالمي إلى مستوى تحديات القرن الواحد والعشرين .. والأهم من هذا كله هو التسليم بحقيقة أن دولة واحدة لا تستطيع أن تفرض إرادتها على هذا العالم.
أما بالنسبة لتحدي السلام بين العرب وإسرائيل فإنه لم تدخل في تصنيف شتاين بيرج لا هي في القضايا المحالة ولها في طلب القضايا الاستراتيجة وعندما سئل عنها أجاب بما يفيد بأن دروس الإدارة المستفادة غير دروسنا وأن تصورهم لدورهم غير تصورنا لهذا الدور وأن أهدافهم من التعامل لتحقيق هذه الأهداف ملئ بالمخاطر وفيما يبدو أن على العرب أن ينتظروا دورة ثانية للإدارة الأمريكية قد يكون لهم فيها حظاً أوفر.
محمد رضا طلبة
السبت, 12 محرم 1379 و.ر الموافق 18 كانون 2010 مسيحي الخميس, 10 محرم 1379 و.ر
الموافق 16 كانون 2010 مسيحي
الـعــدد 5986

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق